عضو مجمع اللغة العربية يشرح سلسلة «كلمات ربي وآياته في القرآن والكون»

 أحمد فؤاد باشا
أحمد فؤاد باشا

قال د. أحمد فؤاد باشا عضو مجمع اللغة العربية "طاع، وانطاع، وطاوع: خضع وانقاد. والطائع: الطيّع "المعجم الوسيط".

وقد وردت المادة بهذه الصيغة مرة واحدة في القرآن الكريم في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (سورة فصلت: 11).

اقرأ أيضا| دار العلوم تكرِّم أ.د.عبدالعزيز بقوش (الخبير بمجمع اللغة العربية)

تدْحض هذه الآية الكريمة بالحجة المنطقية والضرورة العقلية كل مزاعم الماديين والكافرين والملحدين، وتقرر في الوقت نفسه سُنَّة إلهية كونية مؤداها أن الحركة، وليس السكون، هي ما يجب أن يكون الأساس في هذا الوجود. ولقد ظل الإنسان ردحًا طويلًا من الزمن يعتقد في عكس ذلك، وذلك عندما خدعته المظاهر الحركية لبعض الكائنات، فاعتقد خطأ أن الأرض ساكنة، وأن بعض النجوم ثابتة، وأنه هو نفسه ثابت قائم على الأرض الثابتة في مركز الكون.

وأضاف أنه مع تطور المعرفة العلمية ساعد على تغيير هذه الصورة القديمة عن الكون، القائمة على التأمل الفلسفي الخالص في مرحلة طفولة العقل البشري، وأصبح في حكم المؤكد علميًّا الآن أن الحركة هي أهم صفات الكون الذي نعيش على أحد كواكبه، فكل ما في الكون من وحدات ومكونات في حالة حركة دائمة لا تنقطع. وأثبتت الدراسات العلمية والخبرة العملية أن الأجسام المتحركة بسرعة فائقة تبدو لعين الناظر كأنها ثابتة لا تتحرك، وكلما زادت سرعة الجسم المتحرك بدا للمشاهد أنه أكثر متانة وصلابة وتماسكًا وثباتًا. وكل الظواهر الكونية في السماء، من مادة وإشعاع، توجد في حالة حركة أمكن قياسها والوقوف على سرعتها، ولا يجري عليها السكون إطلاقًا.

وتابتع: "فالعين المجردة، وآلات الرؤية، وأجهزة الرصد الفلكية، تؤكد لنا حركة الأرض والقمر والشمس والنجوم والمجرات السابحة في الفضاء في أفلاك خاصة قدَّرها لها الخالق العليم سبحانه وتعالى، وحركة الأرض تجرّ حولها الغلاف الجوي الذي تتدرج سرعة الهواء فيه إلى أن تصل إلى الأعاصير ذات السرعات الكبيرة. والمياه التي في الأنهار والبحار والمحيطات تتحرك أبدًا في أمواج رتيبة تختلف درجة قوتها، وتتلاحق حركة الأمواج نحو الشاطئ، كل موجة تدفعها الموجة السابقة، وتتكسَّر الموجات عند الشاطئين المتقابلين، فكيف يحدث هذا؟! ومن قسّم الموجة الأولي وحرَّكها بحيث نشأت عنها هذه السلسلة التي لا تنتهي من الأمواج؟!".

وأضاف أنه في الكائنات الحية نجد الحركة صفة أساسية من صفاتها، حتى السوائل داخل أوعيتها، والخلية ومكوناتها، والنواة وما فيها، كلها في حالة حركة مستمرة. أما الجماد، وهو مادة غير حية، فقد كان يُظن أنه في حالة سكون. إلا أن العلم في العصر الحديث أثبت أن ذرات المادة الجامدة توجد في حالة اهتزازات حول مواضع اتزان تؤثر على خصائصها المختلفة، وأن ذرات المادة السائلة والغازية توجد في حالة حركة انتقالية لها قوانينها الخاصة التي توصل العلماء إلى اكتشافها بل إن الذرة ذاتها تتكون من كهارب دقيقة جدًّا تسمي إلكترونات تدور حول نواة تتكون هي الأخرى من جسيمات دقيقة تسمي بروتونات ونيوترونات. والكل في حالة حركة أمكن للعلماء قياسها بطرق علمية حديثة؛ وبذلك يكون الجماد، أيًّا كان شكله، أو نوعه، أو حالته، مؤلفًا من ذرات دائبة الحركة. ولما كانت الذرة هي أساس بناء كل ما في الوجود المادي، فإن وحدة الوجود هي الذرة المتحركة.

وبعد أن توصل العلم حديثًا إلى التكافؤ بين المادة والطاقة، وإمكانية تحول كل منهما إلى الأخرى، أصبح من السهل تفهم حقيقة ناموس الحركة في الكون، وكل ما في الأمر أننا اعتدنا أن نطلق اسم "المادة" على كل الكائنات والظاهرات المجسمة التي تسير ببطء شديد أو تبدو لأعيننا كأنها ثابتة. وكيف يمكن أن نصف أي شيء أمامنا على الأرض بالثبات، والأرض ذاتها تتحرك بسرعة هائلة حول نفسها وحول الشمس. وربما يتساءل البعض كيف تبدو الأشياء لراصد يسير بسرعة الضوء (وهي أقصي سرعة معروفة للحركة نظريا حتى الآن)، والإجابة هي أن الإشعاع الذي يصحب هذا الراصد يسير معه جنبًا إلى جنب ويبدو كأنه مادة، أما الأشياء المادية التي تمر عندئذ بسرعة النور فتكون إشعاعًا. وهكذا نجد أن حالة السكون والحركة أمر نسبي يمكن تفهمه في ضوء تصور العلاقة المتكافئة بين المادة والإشعاع.

ولما كانت بديهيات العقل والمنطق والعلم تقضي بأن كل حركة لابد لها من محرك، وأن كل حركة الآن اكتسبت من الدفعة الأولى، فمن هو المحرك الأول الذي أمر بالحركة فكانت؟ إنه الله الخالق الواحد الذي يقول للشيء كن فيكون، أمر السماوات والأرض فكانت الطاعة التامة منهما. هذه هي الطاعة التي بها تسير كل مكونات الكون، بالسرعة المقررة وإلى الاتجاهات التي حددها لها خالقها. فسبحان الله وحده الذي يغيّر ولا يتغير. فهو المحرِّك الأول الذي أمر بحركة الكون فكانت، وستظل إلى ما شاء.